فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} فيه قولان:
أحدهما: أن المعنيّ بالإِنسان آدم، فعلى هذا في قوله: {مِنْ عَجَلٍ} ثلاثة تأويلات:
أحدها: أي معجل قبل غروب الشمس من يوم الجمعة وهو آخر الأيام الستة، قاله مجاهد والسدي.
الثاني: أنه سأل ربه بعد إكمال صورته ونفخ الروح في عينيه ولسانه أن يعجل إتمام خلقه وإجراء الروح في جميع جسده، قاله الكلبي.
الثالث: أن معنى {من عجل} أي من طين، ومنه قول الشاعر:
والنبع في الصخرة الصماء منبته ** والنخل ينبت بين الماء والعجل

والقول الثاني: أن المعنى بالإِنسان الناس كلهم، فعلى هذا في قوله: {من عجل} ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني خلق الإِنسان عجولًا، قاله قتادة.
الثاني: خلقت العجلة في الإِنسان قاله ابن قتيبة.
الثالث: يعني أنه خلق على حُب العجلة.
والعجلة تقديم الشيء قبل وقته، والسرعة تقديمه في أول أوقاته. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا}.
روي أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المسجد فاستهزآ به فنزلت الآية بسببهما، وظاهر الآية أن كفار قريش وعظماءهم يعمهم هذا المعنى من أنهم ينكرون أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أمر آلهتهم وذكره لهم بفساد، و{إن} بمعنى ما وفي الكلام حذف تقديره يقولون {أهذا الذي} وقوله: {يذكر} لفظة تعم المدح والذم لَكِن قرينة المقال أبدًا تدل على المراد من الذكر وتم ما حكي عنهم في قوله تعالى: {آلهتكم}، ثم رد عليهم بأن قرن بإنكارهم ذكر الأصنام كفرهم بذكر الله أي فهم أحق وهم المخطئون. وقوله تعالى: {بذكر} أي بما يجب ان يذكر به ولا إله إلا الله منه.
وقوله: {بذكر الرحمن} روي أن الآية نزلت حين أنكروا هذه اللفظة وقالوا ما نعرف الرحمن إلا في اليمامة، وظاهر الكلام أن الرحمن قصد به العبارة عن الله تعالى كما لو قال: {وهم بذكر} الله وهذا التأويل أغرق في ضلالهم وخطاهم. وقوله تعالى: {خلق الإنسان من عجل}، توطئة للرد عليهم في استعجالهم العذاب وطلبهم آية مقترحة وهي مقرونة بعذاب مجهز إن كفروا بعد ذلك، ووصف تعالى الإنسان الذي هو اسم الجنس بأنه خلق من عجل وهذا على جهة المبالغة كما تقول للرجل البطال أنت من لعب ولهو وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لست من دد ولا دد مني»، وهذا نحو قول الشاعر:
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ** على رأسه تلقي اللسان على الفم

كأنه مما كانوا أهل ضرب الهام، وملازمة الضرب قال إنهم من الضرب ع وهذا التأويل يتم به معنى الآية المقصود في أن ذمت عجلتهم وقيل لهم على جهة الوعيد إن الآيات ستأتي {فلا تستعجلون} وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: {خلق الإنسان من عجل} إنه على المقلوب كأنه أراد خلق العجل من الإنسان على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزءًا من أخلاقه ع وهذا التأويل ليس فيه مبالغة وإنما هو إخبار مجرد وإنما حمل قائليه عليه عدمهم وجه التجوز والاستعارة في أن يبقى الكلام على ترتيبه ونظير هذا القلب الذي قالوه قول العرب: إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحرباء، وكما قالوا عرضت الناقة على الحوض وكما قال الشاعر: البسيط:
حسرت كفي على السربال آخذه ** فردًا يخر على أيدي المفدينا

وأما المعنى في تأويل من رأى الكلام من المقلوب فكالمعنى الذي قدمناه وقالت فرقة من المفسرين قوله: {خلق الإنسان من عجل} إنما أراد أن آدم عليه السلام خلقه الله تعالى في آخر ساعة من يوم الجمعة فتعجل به قبل مغيب الشمس، وروى بعضهم أن آدم عليه السلام قال يا رب أكمل خلقي فإن الشمس على الغروب أو غربت ع وهذا قول ضعيف ومعناه لا يناسب معنى الآية، وقالت فرقة العجل الطين والمعنى خلق آدم من طين.
وأنشد النقاش:
والنخل ينبت بين الماء والعجل

وهذا أيضًا ضعيف ومعناه مباين لمعنى الآية، وقالت فرقة معنى قوله: {خلق الإنسان من عجل} أي بقوله كن فهو حال عجله وهذا أيضًا ضعيف وفيه تخصيص ابن آدم بشيء كل مخلوق يشاركه فيه، وليس في هذه الأقوال ما يصح معناه ويلتئم مع الآية إلا القول الأول، وقرأت فرقة خُلق على بناء الفعل للمفعول، وقرأت فرقة خَلَق الإنسانَ على معنى خلق الله الإنسان، فمعنى الآية بجملتها خلق الإنسان من عجل على معنى التعجب، من تعجل هؤلاء المقصودين بالرد، ثم توعدهم بقوله: {سأوريكم آياتي} أي سآتي ما يسوءكم إذا دمتم على كفركم، يريد يوم بدر وغيره، ثم فسر استعجالهم بقولهم {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} وكأن استفهامهم على جهة الهزء والتكذيب، وقوله: {إن كنتم صادقين} يريدون محمدًا صلى الله عليه وسلم ومن آمن به لأن المؤمنين كانوا يتوعدونهم على لسان الشرع وموضع {متى} رفع عند البصريين وقال بعض الكوفيين موضعه نصب على الظرف والعامل فعل مقدر تقديره يكون أو يجيء والأول أصوب.
{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ}.
حذف جواب {لو} إيجازًا لدلالة الكلام عليه وأبهم قدر العذاب لأنه أبلغ وأهيب من النص عليه وهذا محذوف نحو قوله تعالى: {ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض} [الرعد: 31]، ويقدر المحذوف في جواب هذه الآية لما استعجلوه ونحوه، وقوله: {حين لا يكفون عن وجوههم النار} يريد يوم القيامة، وذكر الوجوه خاصة لشرفها من الإنسان وأنها موضع حواسه وهو أحرص على الدفاع عنه، ثم ذكر الظهور ليبين عموم النار لجميع أبدانهم، وقوله: {بل يأتيهم} استدراك مقدر قبله نفي تقديره ان الآيات لا تأتي بحسب اقتراحهم {بل تأتيهم بغتة}، والضمير للساعة التي تصيرهم إلى العذاب ويحتمل أن يكون لـ: {النار}، وقرأت فرقة يأتيهم بالياء على أن الضمير للوعد فيبهتهم بالياء أيضًا، والبغتة الفجأة من غير مقدمة، و{ينظرون} معناه يؤخرون. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإِذا رآكَ الذين كَفَروا}.
قال ابن عباس: يعني المستهزئين، وقال السدي: نزلت في أبي جهل، مَرَّ به رسول الله، فضحك وقال: هذا نَبيُّ بني عبد مناف.
و أن بمعنى ما ومعنى {هُزُوًا} مهزوءًا به {أهذا الذي يَذْكُر آلهتكم} أي: يعيب أصنامكم، وفيه إِضمار يقولون، {وهم بِذِكْر الرحمن هم كافرون} وذلك أنهم قالوا: ما نعرف الرحمن، فكفروا بالرحمن.
قوله تعالى: {خُلِقَ الإِنسانُ من عَجَلٍ} وقرأ أبو رزين العُقيلي، ومجاهد، والضحاك: خَلَقَ الإنسانَ بفتح الخاء واللام ونصب النون.
وهذه الآية نزلت حين استعجلت قريش بالعذاب.
وفي المراد بالإِنسان هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: النضر بن الحارث، وهو الذي قال: {اللهم إِن كان هذا هو الحقَّ من عندك} الآية [الانفال: 32]، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني: آدم عليه السلام، قاله سعيد بن جبير، والسدي في آخرين.
والثالث: أنه اسم جنس، قاله على بن أحمد النيسابوري؛ فعلى هذا يدخل النضر ابن الحارث وغيره في هذا وإِن كانت الآية نزلت فيه.
فأمَا من قال: أُرِيدَ به آدم، ففي معنى الكلام قولان:
أحدهما: أنه خُلق عجولًا، قاله الأكثرون.
فعلى هذا يقول: لما طُبع آدم على هذا المعنى، وُجد في أولاده، وأورثهم العَجَل.
والثاني: خُلق بعَجَل، استَعجل بخَلْقه قبل غروب الشمس من يوم الجمعة، وهو آخر الأيام الستة، قاله مجاهد.
فأما من قال: هو اسم جنس، ففي معنى الكلام قولان:
أحدهما: خُلِقَ عَجُولًا؛ قال الزجاج: خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر منه اللعب: إِنما خُلقتَ من لَعِب، يريدون المبالغة في وصفه بذلك.
والثاني: أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، والمعنى: خُلقتِ العجلة في الإِنسان، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {سأُريكم آياتي} فيه قولان:
أحدهما: ما أصاب الأمم المتقدِّمة؛ والمعنى: إِنكم تسافرون فترون آثار الهلاك في الماضين، قاله ابن السائب.
والثاني: أنها القتل ببدر، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {فلا تستعجلون} أثبت الياء في الحالين يعقوب.
قوله تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد} يعنون: القيامة.
{لو يعلم الذين كفروا} جوابه محذوف، والمعنى: لو علموا صدق الوعد ما استعجلوا، {حين لا يكفُّون} أي: لا يدفعون {عن وجوههم النار} إِذا دخلوا {ولا عن ظهورهم} لإِحاطتها بهم {ولا هم يُنصَرون} أي: يُمنَعون مما نزل بهم، {بل تأتيهم} يعني: الساعة {بغتةً} فجأَةً {فَتَبْهَتُهم} تحيِّرهم؛ وقد شرحنا هذا عند قوله: {فبُهت الذي كفر} [البقرة: 258]، {فلا يستطيعون ردَّها} أي: صرفها عنهم، ولا هم يُمْهَلون لتوبة أو معذرة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا} أي ما يتخذونك.
والهزء السخرية؛ وقد تقدم.
وهم المستهزئون المتقدمو الذكر في آخر سورة الحجر في قوله: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين} [الحجر: 95].
كانوا يعيبون من جَحَد إلهية أصنامهم وهم جاحدون لإلهية الرحمن؛ وهذا غاية الجهل.
{أهذا الذي} أي يقولون: أهذا الذي؟ فأضمر القول وهو جواب إذا وقوله: {إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا} كلام معترض بين إذا وجوابه {يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} أي بالسوء والعيب.
ومنه قول عَنْتَرَة:
لا تَذْكُرِي مُهْري وما أطعمتُه ** فيكون جلدُكِ مثلَ جلدِ الأَجْربِ

أي لا تعيبي مهري.
{وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن} أي بالقرآن.
{هُمْ كَافِرُونَ} هم الثانية توكيد كفرهم، أي هم الكافرون مبالغة في وصفهم بالكفر.
قوله تعالى: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} أي رُكِّب على العَجَلة فخلق عَجُولًا؛ كما قال الله تعالى: {الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ} [الروم: 54] أي خلق الإنسان ضعيفًا.
ويقال: خلق الإنسان من الشر أي شريرًا إذا بالغت في وصفه به.
ويقال: إنما أنت ذهاب ومجيء.
أي ذاهب جائي.
أي طبع الإنسان العجلة، فيستعجل كثيرًا من الأشياء وإن كانت مضرة.
ثم قيل: المراد بالإنسان آدم عليه السلام.
قال سعيد بن جبير والسدي: لما دخل الروح في عيني آدم عليه السلام نظر في ثمار الجنة، فلما دخل جوفه اشتهى الطعام، فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة.
فذلك قوله: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ}.
وقيل: خلق آدم يوم الجمعة في آخر النهار، فلما أحيا الله رأسه استعجل، وطلب تتميم نفخ الروح فيه قبل غروب الشمس؛ قاله الكلبي ومجاهد وغيرهما.
وقال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني: العَجَل الطين بلغة حِميْر.
وأنشدوا:
والنخلُ يَنبتُ بين الماء والعَجَلِ

وقيل: المراد بالإنسان الناس كلهم.
وقيل المراد: النضر بن الحرث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار في تفسير ابن عباس؛ أي لا ينبغي لمن خلق من الطين الحقير أن يستهزىء بآيات الله ورسله.
وقيل: إنه من المقلوب؛ أي خلق العجل من الإنسان.
وهو مذهب أبي عبيدة.
النحاس: وهذا القول لا ينبغي أن يجاب به في كتاب الله؛ لأن القلب إنما يقع في الشعر اضطرارا كما قال:
كان الزِّناءُ فَرِيضةَ الرَّجْمِ

ونظيره هذه الآية: {وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولًا} وقد مضى في سبحان.
{سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} هذا يقوي القول الأول، وأن طبع الإنسان العَجَلة، وأنه خلق خلقًا لا يتمالك، كما قال عليه السلام، حسب ما تقدم في سبحان.
والمراد بالآيات ما دل على صدق محمد عليه السلام من المعجزات، وما جعله له من العاقبة المحمودة.
وقيل: ما طلبوه من العذاب فأرادوا الاستعجال وقالوا: {متى هذا الوعد}؟ وما علموا أن لكل شيء أجلًا مضروبًا.
نزلت في النضر بن الحرث.
وقوله: {إِن كَانَ هذا هُوَ الحق} [الأنفال: 32].
وقال الأخفش سعيد: معنى {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} أي قيل له كن فكان، فمعنى {فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} على هذا القول أنه من يقول للشيء كن فيكون، لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات.
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} أي الموعود، كما يقال: الله رجاؤنا أي مرجوّنا.
وقيل: معنى الوعد هنا الوعيد، أي الذي يعدنا من العذاب.
وقيل: القيامة.
{إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} يا معشر المؤمنين.
قوله تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ} العلم هنا بمعنى المعرفة فلا يقتضي مفعولًا ثانيًا مثل {لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60].
وجواب لو محذوف، أي لو علموا الوقت الذي {لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} وعرفوه لما استعجلوا الوعيد.
وقال الزجاج: أي لعلموا صدق الوعد.
وقيل: المعنى لو علموه لما أقاموا على الكفر ولآمنوا.
وقال الكسائي: هو تنبيه على تحقيق وقوع الساعة، أي لو علموه علم يقين لعلموا أن الساعة آتية.
ودل عليه {بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً} أي فجأة يعني القيامة. وقيل: العقوبة. وقيل: النار فلا يتمكنون من حيلة {فَتَبْهَتُهُمْ}.
قال الجوهري: بَهَته بَهْتًا أخذه بغتة، قال الله تعالى: {بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ}. وقال الفراء: {فتبهتهم} أي تحيرهم، يقال: بهته يبهته إذا واجهه بشيء يحيره. وقيل: فتفجأهم. {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} أي صرفها عن ظهورهم. {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} أي لا يمهلون ويؤخرون لتوبة واعتذار. اهـ.